..:: معالم مضيئة في الطريق إلى الله ::..

إن مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم خرجت أجيالاً كانوا ومازالوا خير قرون الدنيا ، ومن أراد

أن يكون مثلهم لابد وأن يسير على نهجهم ويتبع آثارهم ويتخرج من أول مدرسة على وجه

الأرض إنها مدرسة ماتٌعلم التاريخ بل تلد التاريخ وماتشرح الفكرة بل تلد الفكرة وما تنتخب

الآثار بل تنتج الآثار إنها مدرسة توجد في كل زمان ومكان .

تلك المدرسة هي مدرسة تاريخية تولد مع الإنسان ، ويحملها الإنسان معه ، هي مدرسة القلب

والوجدان مدرسة تشرف عليها التربية الالهيه ، وتمدها القوة الروحية .

إن الإنسان إذا رزق الحب الصادق عرف نفسه ، واحتفظ بكرامته ، واستغنى عن الملوك

والسلاطين ، لاتعجبوا اذا اقتنصت له النجوم ، وانقادت له الصعاب .

لقد ضل من زعم أن العلماء يتفاضلون بقوة العلم ، وكثرة المعلومات ، وزيادة الذكاء ,وأن

الشعراء يتفاضلون بقوة الشاعرية ، وحسن اختيار اللفظ ، ودقة المعاني وأن المؤلفين يتفاضلون

بسعة الدراسة والمطالعة ، وكثرة التأليف والإنتاج ، وأن المعلمين يتفاضلون بحسب الإلقاء

والمحاضرة واستحضار المادة الدراسية ، انما يتفاضل الجميع بقوة الحب والإخلاص لغايتهم ،

إن القرآن رأس مال أهل الحق ، وفية نهاية كل بداية ، وبقوتة كان علي رضي الله عنه فاتح

الخير .
كن مع من شئت في العلم والحكمة ، ولكنك لن ترجع بطائل ، حتى تكون لك أنه في السحر .

إن الإسلام يريد جيلاً : إذا تكلم كان رقيقاً رفيقاً ، وإذا جد في الطلب كان شديداً

حفياً ، مقاصده جليلة ، غني القلب في الفقر ، فقير الجسم والبيت في الغنى ، غيور في العسر

، رؤوف كريم عند اليسر ، يظمأ إن بدى له الماء منه ، ويموت جوعاً إن رأى في الرزق ذلة ، إذا

كان بين الأصدقاء كان حريراً في النعومة ، وإن كان بين الأعداء كان حديداً في الصلابة تتفتح

به الأزهار ، وترف له الأشجار .

يجمع بين إيمان الصديق رضي الله عنه وقوة علي رضي الله عنه وفقرأبي ذر رضي الله عنه

وصدق سلمان رضي الله عنه يعرف في محيطه بحكمتة وفراستة ، وبأذان السحر

.
شغلتة حياة الجد والإجتهاد عن زينة الجسم والتأنق في اللباس ، وشعر بإنسانيته ، فترفع عن

تقليد الطاووس في لونه ، والعندليب في حسن صوته .

المسلم يحمل رسالة خاصة رسالة الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، ويؤمن بمبادئ

خاصة ، ويعتقد إعتقاداً خاصاً ، ويعيش لغاية خاصة .

فهو من هذه الناحية سر من أسرار الحق ودعامة من دعائم العالم ، وحاجة من حاجات البشرية

، يستحق أن يعيش ، ويستحق أن ينتصر المسلم فهو غاية هذا الكون ، سخر العالم له ، وخلق

هو لله المسلم لم يخلق ليندفع مع التيار ، وليساير الركب البشري حيث اتجه وسار ، بل خلق

ليوجه العالم والمجتمع فليس مقامه مقام التقليد والإتباع ، إن مقامة مقام الإمامة والقيادة ،

ومقام الإرشاد والتوجية ، ومقام الآمر الناهي .

اذا تنكر له الزمان ، وعصاه المجتمع ، وانحرف عن الجاده لم يكن له أن يستسلم ويخضع ويضع

أوزاره ويسالم الدهر بل عليه أن يئور وينازله ، ويظل في صراع معه وعراك ، حتى يقضي الله

في أمره ، إن المسلم بنظرته يقلب الأوضاع وبدعوته يرد القضاء .

المسلم هو الميزان العادل به يعلم رضا الله وسخطه ،وبه يعرف الحسن من القبيح ، فما راق في

نظره فهو حسن ، ومااستقبحه فهو طائش ، وفي عزائمه تتجلى إرادة الله .

المسلم كالشمس إذا غربت من جهه ، طلعت من جهه أخرى فهي لاتزال طالعة .

اعلم يقيناً أيها المسلم : أن الكريم اذا وهب شيئا لايسلبه . وليس حتف إبن آدم في فراق الروح ،

إنما حتفه في ضعف الإيمان . والحرمان من اليقين .

فيا حفيدة خديجة وعائشة وسمية وأم حكيم – رضي الله عنهن - ! انهضي لبناء العالم من جديد
.
فلقد بدأت الشمس رحلتها المباركة المتكررة ، وارتفع عمود الصباح المنير بحر الظلمات ،

وحزمت القوافل في الجبال والصحارى أمتعتها .

وأخيراً هذه بعض الكلمات نقشتها لك انطلاقاً من قول الله تعالى : ( وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ) ..
راجية من ربنا القدير أن ينفعنا وينفعكِ بها في الدارين .

من كتاب " روائع اقبال " للشيخ أبو الحسن الندوي بتصرف